Tuesday, November 4, 2008

أي كلام 3- أبيض وأسود

إمبارح وكالعادة الجديدة اللي لسه حاكي عنها المرة اللي فاتت كنت بعمل Ovaltine الصباح. حطيت السكر في المج بتاعي , ورحت حطيت اللبن في اللبانة الصغيرة علي النار, وقلت أستغل الفرصة علي ما اللبن يسخن, و أروح أحط البودرة السحرية علي السكر وأقعد أقلب فيه عشان يعمل وش زي بتاع الكابوتشينو كده. حطيت معلقتين من الOvaltine علي السكر و إبتديت أقلب..سرحت وأنا ببص علي الخليط.. تعالوا نسرح سوا. ال Ovaltine لونه بني مش غامق و مش فاتح, السكر بقي لونه إيه يا حلوين؟ لأ مش أصفر إسكت إنت..أيوه أيوه قولي تاني يا شطورة إنتي ياللي في الأخر, أيوه صح السكر لونه أبيض..لون اللبن, لون الخير.. و لو إفترينا علي ال Ovaltine شوية هنقول إن لونه غامق,إسود, شرير.. ببص في قاع الكباية و إيدي ماسكة المعلقة و مستمرة في التقليب و الضرب و الفعص و الهرس و زلزلة حياة حبات السكر و بودرة ال Ovaltine لقيت حاجة غريبة بتحصل.. هي مش غريبة يعني, بتحصل دايما و إحنا بنعمل شاي أو نسكافيه أو قهوة أو أي مشروب تاني لون حبيباته غامق و بنحطله سكر..بيتهيئلي فهمتوا..السكر.. الأبيض.. الفاتح.. الحلو.. لون الخير.. بيتقلب بني ي ي ي ي... بيفقد لونه..اللون الإسود بيطغي عليه.. بيفتري.. بيضيعه خالص و يمحي أثره..بيقلبه بني زيه..لون الخليط النهائي يخلييك تقول إن السكر لونه برضه بني..متعرفش تفرق مين كان حباية سكر و مين كان Ovaltine.
بس إمتي حصل كده؟؟ لو لاحظتوا كويس هتلاقوا السكر مخسرش نفسه وحلاوته و لونه غير مع التقليب.. مع الحركة.. مع الظروف و المواقف .. مع الحياة.
طب تعالوا نشوف دي.. الطفل أبيض.. حلو.. نقي.. لسه نازل الكباية.. وبعدين؟؟ بيتقلب.. فيتشقلب.. فيبقى بني.. وساعات كتير بيبقي إسود.. إسود غامق قوي.. إسود شرير..
السكر مش ضعيف.. ومش ممسوح الشخصية و مش مستسلم.. بدليل إنه مخسرش لونه و نقائه بمجرد ما حطينا عليه ال Ovaltine وحتي في أول التقليب هنلاقي شوية حبوب سكر بتحاول تقاوم..أو حتى تهرب..لكن أنا بفتري في اليقليب بصراحة.. و النتيجة.. مفيش ولا حبة سكر بتفضل بيضا زي ما إتولدت.. كلنا بنبقي علي أحسن تقدير.. بني...
فقت من تأملاتي علي صوت اللبن بيفور علي النار..صوت الوووووش المميز و رائحة اللاكتوز المحروق.. أنقذت ما يمكن إنقاذه ورحت أصب اللبن علي الخليط البني.. شيطان تأملاتي صحي تاني.. قالي بص كده علي اللبن ده.. مش أبيض أهو ورمز تفاؤل و خير.. ماله- لما بيتصب علي شوية حبيبات بني- ماله بيبقي بني هوا كمان.. حتي اللبن!!! حتي اللبن مش قادر يقاوم..وأنا اللي كان كل أملي إن اللبن الأبيض الجميل, بكميته اللي هي أكيد أكتر بكتير من معلقتين ال Ovaltine اللي أنا حاطتهم , أكيد هينقذ السكر, أكيد هيساعده يستعسد لونه و نقاءه, أكيد هيغسله و يرجعه زي ما إتولد.. لكن حتي اللبن.. حتي اللبن بيبقي بني..ومن غير تقليب كمان..


نسمة ربيع لكن بتكوي الوشوش
طيور جميلة بس من غير عشوش
قلوب تخفق إنما وحدها
هي الحياة كدا.. كلها في الفاشوش
وعجبي
(سيدي وتاج راسي صلاح جاهين )


وإذا كان يوسف بك وهبي قال "وما الدنيا إلا مسرحٌ كبير" و إذا كانت أغنية تتر مسلسل البراري و الحامول بيقول "الدنيا ملاحة يابا" فسجلوا عن لساني إني بقول " وما الدنيا إلا مجٌ كبير" و "الدنيا كباية يابا" وكلنا بندخلها سكر و نتقلب ونبقي Ovaltine لأ و البعض بيبقوا زفت الطين..

Sunday, November 2, 2008

أي كلام 2 -بودرة الذكريات

من يومين كده قررت أشرب حاجة الصبح , كالعادة اللي يعرفني كويس يعرف إن أخر مرة إتعاملت فيها مع وجبة الفطار كانت قبل إمتحانات الإعدادية تقريباً . المهم,الحاجة اللي شجعتني علي القرار الجرئ ده واللي أكيد معدتي هتقدم بسببه طلب هجرة, أو هتهرب عبر الحدود و تطلب حق اللجوء في دولة الكبد الشقيق, اللي خلاني أتهف في دماغي هوا ال Ovaltineحاربه الله. و ال Ovaltine يا إخواني لمن أنعم الله عليه بعدم معرفته به هو أعظم وأخطر و أشد و أدهي و..ألذ و أطعم مشروب شوكو في الدنيا وبالتأكيد يوجد أنهار Ovaltine في الجنة. هذا الشراب الملعون كنت أعاني من حالة إدمان مزمن له كل طفل ثم مَنَ الله علي و خلصني من إدمان الOvaltine اللعين بل و من كل وجبة الإفطار. ومع عودتي في سن العاشرة تقريباً إلي أرض مصر العقيمة..قصدي الحبيبة (بعد حوالي ثمان سنوات في السعودية), لم يعد الOvaltine الملعون متوفراً وغدوت في أمان تام من أخطار الإرتداد و التردي في حفرة إدمانه, إلا أني كأي شمام بيحترم نفسه وكأي طفل متعود علي حاجة, حاولت البحث عن بدائل. تعاطيت كاكاو كورونا و نسكويك و بعض الأنواع المجهولة و لم أجد مثيلاً لل Ovaltine (متنسوش إن الكلام ده كان بيحصل في أوائل التسعينيات من القرن الماضي-1993 - وإنت طالع, مكانش لسه برنامج الحزب الوطني المبارك سمح بإستيراد كل حاجة وأي حاجة كما هو الحال الأن). هكذا و بعد رحلة من البحث المضني إستمرت لمدة تزيد علي الشهور الست (مدة برضه علي طفل 10 سنيين يا ناس). قررت التنازل عن وجبة الإفطار و عن حلمي في العثور علي العلبة البرتقالية الحبيبة و ما تحويه من بودرة الحياة. إلي هنا والأمور عادية -قصة كل يوم يعني- لكن الجديد في الأمر هو أني من إسبوعين أو أكثر قليلاً كنت في زيارة ميمونة لcarrefour وبينما أتجول هناك مع العائلة الكريمة -لا لا مش قادر أفتكر اللحظة دي- فوجئت..صعقت.. ذهلت.. إتهبلت.. ففجاْة و من اللا مكان قفزت أمامي صفوف من العلبة البرتقالية التي ماتزال ذاكرتي تحمل صورتها , ما إنفك قلبي يحوي الحنين نحوها(جامدة ما إنفك دي؟) وما بقيت شعيرات التذوق في لساني لم تذق أطيب منها. سرت رجفة الذكريات من عقلي إلي قلبي بل و إلي لساني ومعدتي. تضحكون؟ ربنا يوقعكوا في براثن ال Ovaltine وساعتها هشوف هتضحكوا إزاي. المهم و كما المندوه (أي من نادته النداهة) و كالمسحور (يعني اللي إتعمله سحر) و كالمبهور (مفهومه بقي دي) وكالمهبوش و كالملهوف و كالمسروع و المسعور و كا أي حاجة تعجبك, هجمت علي العلب البرتقالية هجوم المذؤب الجائع علي فتاة من غجر التوسكاني. عبئت العربة بكمية تكفي لقبيلة من المحرومين.
بعد عودتني للمنزل أخذت إحدى علبي الثمينة وإنفردت بها لأسترجع ذكريات طفولتي. وكمدمن أتم شفاءه ثم وجد نفسه في جنةٍ من مخدره المفضل, شعرت بتردد شديد وأنا أمد يدي ببطء لأفتح العلبة الأولي وعرق بارد يغمر جبهتي, شفتاي ترتجفان, يدي تمتد , نظراتي ملهوفة يختلط فيها التردد بالندم بالرغبة المحمومة.. فتحتها.. هاهي العلبة الأولي أمامي مفتوحة سهلة المنال كعكا بعد الخيانة (طبعاً الحالة اللي فاتت دي مبالغة لزوم الحبكة الأدبية إنما أنا كنت بفتح علبة مشروب شوكولاته يعني مش حقنة مكس). اللبن علي النار, كوبي المفضل أمامي, ثلاث ملاعق من السكر ترقد مستكينة في قاع الكوب, كتابٌ ما ينتظرني علي سريري, قطتي ترقد جوار وسادتي المفضلة, لاب توبي يلعب مجموعةً من أغانيَ المفضلة, الجو بالكامل مهيئ أتم التهيئة و مجهز أكمل التجهيز إستعداداً للحظة الحاسمة, لحظة ظهور ال Ovaltine مرة أخري في حياتي..
اللبن الأن في الكوب, السكر مذاب , ملعقةٌ في يدي, و العلبة الحبيبة في اليد الأخري..تري ما هي الجرعة التي يمكنني إحتمالها؟ كطفل إعتدت وضع ملعقتين في كوبي الصغير. لكني أيضاً وقتها كنتُ معتاداً أريباً ولم تكن أي جرعة من ال
Ovaltine لتؤثَر في. أما الأن وبعد أعوام عديدة من الإنقطاع فلا أدري كيف يكون تأثيره السحري علي خلايا مخي. لكني مدفوعاً بشوقي قررت المغامرة بوضع ملاعقٍ ثلاث..وليكن ما يكون..هكذا و بعد أن تم مزج اللبن بالسكر بمشروبي السحري حملت كوبي برفق وإتجهت إلي غرفتي. رائحته الزكية تفعم أنفي فتستدعي ألاف الذكريات.. طفولتي الحبيبة.. حنيني إليها يزداد كلما أوغلت في العمر.. كم كان كلُ شئٍ بسيطاً ميسراً.. أحلامي كانت كلها ملكي, كل ما أشتهيت كان ملك يميني و طوع أمري.. كنت طفلاً مدللاً لكنه ليس تدليل إفساد و ليس تدليل سفه. إنما هو تدليل أبوان محبان تفانيا و مازالا من أجل إبنهم الوحيد أنذاك و من أجلي أنا و أختي الصغيرة فيما بعد.. يا الله.. علي قدر ما كرهت البعد عن الأهل و الأصدقاء في السعودية, علي قدر ما أحببت الحياة في "أبها" ,مدينةٌ صغيرة هي. في الجنوب متاخمة لساحل البحر الأحمر, علي إحدي قمم سلسلة جباله, إرتفاعها حوالي 2300 متر من سطح البحر, جوها رائع طوال العام..دائماً في الصباح كنت أستيقظ علي رائحة ال Ovaltine ودفئه المحبب و دخانه المتصاعد في جو أبها حيث حرارتها العظمي لا تتجاوز أبدا 25 درجة مئوية. كانت دائما ما تمطر في حوالي الرابعة عصراً, و في الشتاء كانت تمطر ثلجاً طوال الليل.. لكم أتمني أن أعيش هناك ولو لفترة. هكذا يا أصدقاء و بكل تلك الذكريات و الحنين أقبلتُ علي الكوب لأعب منه عباً نهما وسعادةٌ مجهولةً تغمرني.. لم يعد ما في يدي كوباً من مشروب بل صار ذكرياتي, طفولتي مجسدة , أحلامي الصغار عائدةُ إليَ من جديد..
بس يا سادة يا كرام و من ساعتها و أنا بشرب كباية قبل النوم و واحدة الصبح..
مرحباً إدماني الحبيب..